سورة آل عمران - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)}
{إِنَّ الله اصطفى} الآية: لما مضى صدر من محاجة نصارى نجران أخذ يبين لهم ما اختلفوا فيه، وأشكل عليهم من أمر عيسى عليه السلام، وكيفية ولادته وبدأ بذكر آدم ونوح عليهما السلام تكميلاً للأمر لأنهما أبوان لجميع الأنبياء، ثم ذكر إبراهيم تدريجاً إلى ذكر عمران والد مريم أم عيسى عليه السلام، وقيل: إنّ عمران هنا هو والد موسى، وبينهما ألف وثمانمائة سنة، والأظهر أن المراد هنا والد مريم، لذكر قصتها بعد ذلك {وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ} يحتمل أن يريد بآل: القرابة، أو الأتباع، وعلى الوجهين؛ يدخل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في آل إبراهيم {ذُرِّيَّةً} بدل مما تقدم أو حال ووزنه فعليه منسوب إلى الذر أي النمل. لأن الله تعالى أخرج الخلق من صلب آدم كالذر، {إِذْ قَالَتِ} العامل فيه محذوف تقديره: اذكروا، وقيل: عليم، وقال الزجّاج: العامل فيه معنى الاصطفاء {امرأت عِمْرَانَ} اسمها حنة بالنون، وهي أم مريم، وعمران هذا هو والد مريم {نَذَرْتُ} أي: جعلت نذراً عليّ أن يكون هذا الولد في بطني حبساً على خدمة بيتك، وهو بيت المقدس {مُحَرَّراً} أي عتيقاً من كل شغل إلاّ خدمة المسجد {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا} الآية. كانوا لا يحررون الإناث للقيام بخدمة المساجد، فقالت: {إِنِّي وَضَعْتُهَآ أنثى} تحسراً وتلهفاً على ما فاتها من النذر الذي نذرت {والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} قرئ وضعت بإسكان التاء وهو من كلام الله تعظيماً لوضعها وقرئ بضم التاء وإسكان العين وهو على هذا من كلامهما {وَلَيْسَ الذكر كالأنثى} يحتمل أن يكون من كلام الله، فالمعنى ليس الذكر كالأنثى في خدمة المساجد؛ لأن الذكور كانوا يخدمونها دون الأناث {سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} إنما قالت لربها سميتها مريم؛ لأن مريم في لغتهم بمعنى العابدة، فأرادت بذلك التقرب إلى الله، ويؤخذ من هذا تسمية المولود يوم ولادته، وامتنع مريم من الصرف للتعريف والتأنيث، وفيه أيضاً العجمة {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ} ورد في الحديث: «ما من مولود إلاّ نخسة الشيطان يوم ولد فيستهل صارخاً إلاّ مريم وابنها»، لقوله: {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ}: الآية {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا} أي رضيها للمسجد مكان الذكر {بِقَبُولٍ حَسَنٍ} فيه وجهان: أحدهما: أن يكون مصدراً على غير المصدر، والآخر: أن يكون اسماً لما يقبل به كالسعوط اسم لما يسعط به {وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً} عبارة عن حسن النشأة {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} أي ضمها إلى إنفاقه وحضانته، والكافل هو الحاضن، وكان زكريا زوج خالتها، وقرئ كفلها بتشديد الفاء، ونصب زكريا: أي جعله الله كافلها {المحراب} في اللغة: أشرف المجالس، وبذلك سمي موضع العبادة {وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً} كان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، ويقال: إنها لم ترضع ثدياً قط، وكان الله يرزقها {أنى لَكِ هذا} إشارة إلى مكان أي: كيف ومن أين؟ {إِنَّ الله يَرْزُقُ} يحتمل أن يكون من كلام مريم أو من كلام الله تعالى.


{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)}
{هُنَالِكَ} إشارة إلى مكان، وقد يستعمل في الزمان، وهو الأظهر هنا أي: لما رأى زكريا كرامة الله تعالى لمريم سأل مِنَ اللِه الولد {فَنَادَتْهُ الملائكة} أنث رعاية للجماعة، وقرئ فناداه بالألف على التذكير، وقيل: الذي ناداه جبريل وحده وإنما قيل الملائكة: لقولهم: فلان يركب الخيل، أي جنس الخيل وإن كان فرساً واحداً {بيحيى} اسم سماه الله تعالى به قبل أن يولد، وهو اسم بالعبرانية صادف اشتقاقاً وبناءً في العربية، وهو لا ينصرف، فإن كان في الإعراب أعجمياً ففيه التعريف والعجمة، وإن كان عربياً فالتعريف ووزن الفعل {مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله} أي مصدقاً بعيسى عليه السلام مؤمناً به، وسمي عيسى كلمة الله، لأنه لم يوجد إلاّ بكلمة الله وحدها وهي قوله: كن، لا بسبب آخر وهو الوالد كسائر بني آدم {وَسَيِّداً} السيد، الذي يسود قومه؛ أي يفوقهم في الشرف والفضل {وَحَصُوراً} أي لا يأتي النساء فقيل: خلقه الله كذلك، وقيل: كان يمسك نفسه، وقيل: الحصور الذي لا يأتي الذنوب {أنى يَكُونُ لِي غلام} تعجُّب استبعاد أن يكون له ولد مع شيخوخته، وعقم امرأته، ويقال: كان له تسع وتسعون سنة، ولامرأته ثمان وتسعون سنة، فاستبعد ذلك في العادة، مع علمه بقدرة الله تعالى على ذلك، فسأله مع علمه بقدرة الله، واستبعده لأنه نادر في العادة، وقيل: سأله وهو شاب، وأجيب وهو شيخ، ولذلك استبعده {كَذَلِكَ الله يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ} أي مثل هذه الفعلة العجيبة، يفعل الله ما يشاء؛ فالكاف لتشبيه أفعال الله العجيبة بهذه الفعلية العجيبة، والإشارة بذلك إلى هبة الولد لزكريا، واسم الله مرفوع بالابتداء، أو كذلك خبره فيجب وصله معه، وقيل: الخبر: يفعل الله ما يشاء، ويحتمل كذلك على هذا وجهين: أحدهما: أن يكون في موضع الحال من فاعل يفعل، والآخر: أن يكون في موضع خبر مبتدأ محذوف تقديره: الأمر كذلك، أو أنتما كذلك، وعلى هذا يوقف على كذلك والأول أرجح لاتصال الكلام، وارتباط قوله: {يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ} مع ما قبله، ولأن له نظائر كثيرة في القرآن منها قوله: {وكذلك أَخْذُ رَبِّكَ} [هود: 102] {اجعل لي آيَةً} أي علامة على حمل المرأة {آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ الناس} أي علامتك أن لا تقدر على كلام الناس {ثلاثة أَيَّامٍ} بمنع لسانه عن ذلك مع إبقاء الكلام بذكر الله، ولذلك قال: {واذكر رَّبَّكَ كَثِيراً} وإنما حبس لسانه عن الكلام تلك المدة ليخلص فيها لذكر الله شكراً على استجابة دعائه ولا يشغل لسانه بغير الشكر والذكر {إِلاَّ رَمْزاً} إشارة باليد أو بالرأس أو غيرهما، فهو استثناء منقطع {بالعشي} من زوال الشمس إلى غروبها، والإبكار من طلوع الفجر إلى الضحى.


{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42)}
{وَإِذْ قَالَتِ الملائكة} اختلف، هل المراد جبريل أو جمع من الملائكة؟ والعامل في إذ مضمر {اصطفاك} أولاً حين تقبلك من أمك {وَطَهَّرَكِ} من كل عيب في خلق وخُلق ودين {واصطفاك على نِسَآءِ العالمين} يحتمل أن يكون هذا الاصطفاء مخصوصاً؛ بأن وهب لها عيسى من غير أب، فيكون على نساء العالمين عاماً، أو يكون الاصطفاء عاماً فيخص من نساء العالمين خديجة وفاطمة، أو يكون المعنى: على نساء زمانها؛ وقد قيل: بتفضيلها على الإطلاق، وقيل: إنها كانت نبية لتكليم الملائكة لها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8